المادة    
  1. خروج الشرك من دائرة التكفير بالذنوب

    بقي أن نقول: ما نوع الذنوب التي تكفرها المصائب؟
    أما أعظم الذنوب وشر الذنوب وأخطرها -وهو الشرك بالله- فلا تكفره المصائب والابتلاءات من الأمراض والهموم والحزن والوصب والنصب وغير ذلك، فالشرك بالله لا يكفره شيء غير التوبة منه، فلا بد من أن يتوب العبد من الشرك ويدخل في التوحيد إن كان كافراً أصلياً، أو يعود إلى الإيمان والتوحيد إن كان مرتداً بعد إيمانه نسأل الله العفو والعافية.
    وإذا أصيب المشرك بمرض أو مصيبة وصبر واحتسب فإنه يعطى أجره في الدنيا ثناءً من الناس أو ذكراً عندهم بعد موته، أو يعطى أجره بالطمأنينة، أو براحة المرض أو خفته، أو بأن يرزق الصبر على المرض، ولا شك في أن الصبر يعطي المريض طمأنينة وراحة وارتياحاً، بخلاف حال القانط مسلماً كان أو كافراً، فإن من يقنط أو يتسخط من المرض أو البلاء يزداد ألماً، وأما من يصبر فإنه يطمئن ويرتاح ولو كان كافراً، فالله تعالى لا يضيع عمله في الدنيا، بل برحمته وفضله يجازي الكافر على ما عمله من صدقة أو إحسان أو صبر أو شجاعة، فيعطيه جزاءه في هذه الدنيا، أما في الآخرة فقد قال تعالى: (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ))[هود:16]، ولا ينفعهم أي قربة يتقربون بها إلى الله، كما قال تعالى: (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ))[الفرقان:23].
    ولذا يجب أن نؤكد جميعاً -الخطيب والداعية والمعلم- على خطر الشرك وضرره دائماً وأبداً، ويجب أن لا يمل هذا التأكيد أبداً؛ لأن الشرك أخطر الذنوب وأعظم الذنوب، وقد أكد الله تعالى خطره وضرره، وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم.
  2. جواب إشكال في حديث عبادة على قاعدة امتناع تكفير الشرك بالمصائب

    وهناك ما قد يشكل على ما قررناه بشأن تكفير المصائب للشرك، وهو حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الصحيح: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة له ).
    قال بعض العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في هذا الحديث الشرك مع كبائر أخرى ثم قال: ( فمن وفى منكم فله الجنة )، ولا إشكال في أن من بايع النبي صلى الله عليه وسلم على هذا، أو دخل في دين الله تعالى ووفى فلم يشرك بالله ولم يزن ولم يسرق، بل اجتنب كل ما حرم الله، وأتى بما أمر الله به من الواجبات، لا إشكال في أن جزاءه الجنة، لكن الإشكال في قوله: ( ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب فهو كفارة له )؛ إذ قوله: ( ومن أصاب شيئاً من ذلك ) كأنه يشمل كل ما تقدم ومن جملته الشرك، وعليه فمن أصاب شيئاً من الشرك يكفر عنه بالعقوبة، سواء كانت عقوبة قدرية من المصائب، أم عقوبة شرعية كأن يقتل -مثلاً- أو يضرب وما أشبه ذلك.
    ولا ريب ولا شك في أن الشرك لا يدخل أبداً في التكفير بالعقوبة، ولكن كيف يجاب عن هذا الحديث؟
    لقد أجاب العلماء رضي الله تعالى عنهم بأجوبة:
    منها: أن المخاطب بهذا الحديث هم المسلمون، فالنبي صلى الله عليه وسلم يخاطب المسلمين، وقرينة الحال تدل على عدم العموم.
    ولذا ينبغي أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنَّه بايع أصحابه المؤمنين، فمبايعته صلى الله عليه وسلم من يدخل في الإسلام حديثاً شيء معلوم، لكنه كان يبايع المؤمنين أيضاً إما على الدين كله كما في هذا الحديث، وإما على نوع منه، كما بايع الصحابة رضي الله عنهم تحت الشجرة.
    فالمبايعة قد تحصل لهم وهم مؤمنون، والنبي صلى الله عليه وسلم يخاطبهم وهم مؤمنون، فقرينة الحال تدل على أن الشرك لا يدخل في ذلك؛ لأنه بايع أناساً غير مشركين.
    وهذا الجواب لا بأس به، لكن يرد عليه أنه قال: ومن أصاب شيئاً من ذلك، فيحتمل أن يقع منه الشرك، فقرينة الحال ضعيفة في هذا الجواب.
    وقال بعض العلماء: نحمل الشرك هنا على الشرك الأصغر، فنقول: إذا كانوا مؤمنين وبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يشركوا؛ فمراده صلى الله عليه وسلم أن يبايعوه على أن لايراءوا أو يرتكبوا الشرك الأصغر، فمن ارتكب الرياء فإنه يكفر عنه إذا عوقب بعقوبة شرعية أو قدرية.
    وهذا الجواب فيه نظر؛ لأن الأصل أنه إذا ذكر الشرك فهو الشرك الأكبر، فالنبي صلى الله عليه وسلم -وإن كانوا مؤمنين- أراد أن يؤكد لهم خطر الشرك ويبايعهم على تركه.
    وقد قلنا في مبحث الحكم بغير ما أنزل الله وموضوع إطلاق كلمة الكفر: إن الأصل أنه إذا وردت كلمة الكفر أو الشرك -ولاسيما في القرآن- فالمراد بها الأكبر، ويحتاج من يخرج شيئاً من ذلك إلى دليل خاص.
    وأما الجواب الثالث فهو جواب سهل على ضوء القواعد الأصولية، ولا غرابة فيه، وهو أن يقال: نحمل بعض النصوص على بعض، فنقيد إطلاق بعضها ببعض، ونخصص عموم بعضها ببعض، فعموم قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (ومن أصاب) يخصصه قوله تبارك وتعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ))[النساء:48].
    وهذا الجواب هو الذي قواه الإمام النووي واختاره الإمام ابن حجر رحمهما الله تعالى، ونستطيع أن نقول: إنه كالبداهة؛ إذ لا يخفى على من عرف الأدلة أن هذا يخصص ذلك، لكن العلماء الآخرين أرادوا أن يستخرجوا من نفس الحديث أنه لا يدل بالضرورة على ما قد يفهم من ظاهره، وهو أن الشرك يمكن أن يكفر عن صاحبه بمصيبة أو ابتلاء.
    إذاً: هذا النوع الأول من أنواع الذنوب، وهو الشرك، فـ الشرك لا يكفر بالمصائب، والوعيد الذي جعله الله سبحانه وتعالى للمشركين في القرآن أو في السنة نافذ في حقهم ولا بد: (( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ))[المائدة:72].
  3. تكفير الكبائر بالمصائب

    النوع الثاني: الكبائر، فهل تكفر المصائب الكبائر أم لا تكفرها؟
    الصحيح الذي عليه أهل السنة والجماعة أن المصائب تكفر الكبائر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في هذا: (يجوز عندهم)، ومعنى الجواز أن المسألة ليست مطلقة، فلا نقول: إنه لا يدخل النار أحد من أهل الكبائر مطلقاً، ولا نقول: لا بد من أن يدخل النار كل أهل الكبائر، وإنما نقول: الواقع أن الله سبحانه وتعالى يعذب بعضهم وقد يعفو عن بعضهم.
    أما الذين يقولون: يجوز أن لا يدخل النار من أهل الكبائر أحد فهؤلاء هم المرجئة ، وقولهم مردود.
    والذين قالوا: إن كل أهل الكبائر سيدخلون النار ولن يبقى منهم هم الخوارج وأهل الغلو.
    فهنا يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (يجوز عندهم -يعني: عند أهل السنة والجماعة - أن صاحب الكبيرة يدخله الله الجنة بلا عذاب، إما لحسنات تمحو كبيرته) وهذا ما تقدم في المبحث الماضي (وإما لمصائب كفرتها عنه) وإما لغير ذلك من أنواع التكفير بالخطايا كما تقدم، فلا إشكال -إن شاء الله- في أن الكبائر تكفر بالمصائب؛ لعموم ما ذكرنا من الأدلة، كالهم والوصب والحزن حتى الشوكة يشاكها، فهذه المكفرات تدخل فيها أيضاً الكبائر ولا شك في هذا.
  4. جواب إشكال تقييد إطلاق التكفير بالمصائب بحديث (ما اجتنبت الكبائر)

    وقد يقول قائل: إن هذا التكفير خاص بالصغائر، ويستدل لذلك بما قررناه سابقاً في حديث: ( الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر )، فيقول: نحمل المطلق على المقيد، فنقول: إن هذه الأحاديث في فضل المصائب وتكفيرها للذنوب محمولة على حديث: ( ما اجتنبت الكبائر )، وعليه فلا تكون المصائب مكفرة إلا للصغائر.
    والجواب عن ذلك: أنه لا يحمل المطلق على المقيد -ولا سيما في مثل هذا الموضع- لأن سبب التكفير مختلف، فالتكفير في حديث: ( ما اجتنبت الكبائر ) واقع بفعل الحسنات، وموضوع التكفير بفعل الحسنات شيء، وموضوع التكفير بوقوع المصائب شيء آخر، فليس السبب واحداً، ولا بد في حمل المطلق على المقيد من اتحاد السبب والحكم حتى نحمل هذا على هذا، فالمصائب شيء غير الطاعات.
    ومما يقوي هذا أننا نقول لهم: أوليس الذي يرتكب الكبيرة يعاقب شرعاً؟! فهناك عقوبات شرعية قدرها الشرع، وأخرى لم يقدرها لكن دل على أصلها، أعني الحدود والتعازير، فلو أن إنساناً اختلس مالاً أو نهبه أو غش أو خلا بامرأة؛ فإنه يقرع ويعنف ويعاقب، وإن كان ما أتاه حداً فالحدود تقام كما شرع الله وكما أمر، وهي عقوبة يألم بها، وبهذا الألم تكفر عنه الخطيئة، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من عوقب في الدنيا ومن أقيم عليه الحد فهو كفارة له.
    فـ إذا كانت العقوبة قدرية لأنه زنى أو سرق، ولم يعاقبه الله تعالى بأيدينا، وإنما بمصيبة نزلت عليه -نسأل الله العفو والعافية من الذنوب ومن المصائب- فألم به مرض أو امتحن، كرجل زنى -عياذاً بالله- ولم تقم عليه العقوبة، لكن الله تعالى ابتلاه على ذلك وعاقبه بمرض من الأمراض الخبيثة التي تصيب الأعضاء التناسلية، فحصلت العقوبة بشكل آخر؛ فما المانع أن تكون كفارة لذلك الذنب؟!
    إن اللائق بحكمة الله وعدله وفضله ورحمته أن تكون هذه المصيبة مكفرة لما قد اقترف، وهذا هو الراجح، ولا سيما -كما قلنا- أن السبب مختلف، فلا يصح حمل تكفير الكبائر بالمصائب على حديث: ( ما اجتنبت الكبائر ).
    وهنا شيء آخر، وهو قوله تعالى: (( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ))[النساء:31]، فهذا موضوع آخر، وهو دليل على أن من اجتنب الكبائر غفر الله له الصغائر وكفرها عنه، لكننا هنا نتكلم عن سبب من فعل العبد، وهو أن يفعل الحسنات، أو أن يصاب بمصيبة فيصبر.
    فالمقصود هنا التكفير بسبب، سواء كان من عند الله سبحانه بمصيبة وقعت على العبد، أم كان من فعل العبد، ولفعل العبد علاقة به.
    أما أن يكفر الله تعالى عنه لمجرد أنه اجتنب الكبائر فذلك واضح إن شاء الله، فترك الكبائر في ذاته خير كبير، ويبشر صاحبه بأن تكفر عنه الصغائر.
  5. تكفير الصغائر بالمصائب

    ???? ??? ???? ??? ?? ????: ?? ???? ???? ?? ????? ??????? ????????? ??????? ??? ??? ????? ?? ??????? ???? ????????? ??? ?????? ?? ???? ??????? ????? ???? ???? -?????? ???- ?? ???? ??? ??? ??????? ????? ???? ?????.